فى نهاية شارع القصر بالخرطوم وأمام معمل استاك وكلية الطب جامعة الخرطوم كان هنالك نصب تذكارى للجندى المجهول حتى بداية تسعينات القرن الماضى والذى كان يمثل أحد أبرز معالم مدينة الخرطوم .. تمت ازالة هذا النصب التاريخى بواسطة حكومة الانقاذ فى بداياتها ضمن حملة منظمة قامت بها السلطات لازالة وطمس عديد من المعالم الاثرية والتاريخية للبلاد بحجج واهية لا ترقى لتبرير مثل هذا الجرم مهما كانت الدوافع والمبررات
التى ساقتها السلطة آنذاك والتى اندرجت تحت مفاهيم ارساء قيم الهوس الدينى واعادة صياغة الامة بتوجهات
جهادية ما فتئت السلطة التبشير بها وهى فى عنفوان بدايتها دون الالتفات لمسألة التراث واهميته .
تمت ازالة هذا النصب وفقا لمفاهيم عقائدية جديدة حاولت السلطة فرضها على كافة أوجه الحياة السودانية ومنها سلك الجندية عبر تغيير العقيدة القتالية للجيش من (حماية الوطن واستقلاله) إلى (حماية الدين وأمجاد الأمة)، وأصبحت صيحات الحرب من شاكلة (جاهزين.. جاهزين لحماية الدين ) هي السائدة بديلاً للـ(جلالات) التقليدية. وقد كُرِّست عملية (التديين) في جميع مفاصل المنظومة العسكرية ، وشملت معظم المفاهيم والمصطلحات والرموز، إلى حد إزالة نصب (الجندي المجهول) باعتباره وثن ، وتحت زعم أن الدولة الإسلامية رمزها (الجندي المجاهد) وليس( الجندي المجهول) !.ظهر تعبير الجندى المجهول لاول مرة في فرنسا للدلالة علي جندي فرنسي مجهول الهوية استشهد في ساحة الشرف خلال الحرب العالمية الاولي ونقل جثمانه إلي باريس قوس النصر ,في 11نوفمبر 1920 ,وكان يرمز للتضحية التي قدمها مليون وثلثمائة وتسعون الف عسكري فرنسي قتلوا في تلك المعارك ,ونقش علي الضريح العبارة التالية (هنا يرقد جندي فرنسي مات في سبيل الوطن)واقيمت شعلة فوق الضريح تبقي مشتعلة ومضاءة ,تتعدها مجموعة من قدامي المحاربين . ومن ثم اخذت كثير من الدول هذا التقليد وأقامت نصبا للجندي المجهول ,رامزة به الي تكريم شهدائها من العسكريين الذين سقطوا في ساحة الشرف ,دون ان يرافق ذلك او يسبقه نقل رفاة شهيد من الشهداء في معركة معينة من مكان استشهاده الي النصب حيث سيدفن ليصبح رمزا للجندي المجهول , وبالتالي للشهداء العسكريين جميعا معروفين ومجهوليين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شاركنا تعليقك أو تحليلك اسفل الموضوع